سرد

(١) الساعة الثانية فجرًا؛ المذياع يبث عليَّ وعلى امرأة تُرضِع طفلًا صغيرًا، مسلسلًا بعنوان "ريا وسكينة". كان الصوت مدويًا، ربما صداه لا يستشعر أحد غيري تأثيره المخيف! والدي كعادته، لا يأتي إلا بعد آذان الفجر بقليل، فهو من هؤلاء الذين يتعاطون الحشيش، وسهرات الأُنس والدخان الأزرق يبدآن دائمًا بعد...
أنا لست ملاكاً.. قصصت أجنحتي بيدي بقدر غضبي عليها وكرهي لها، وقفت أمام المرآة وأخبرتها بكل شيء، وقلت لها أنني كذبت في كل مرةٍ ادعيت فيها نسيان جروحي، فلازالت خيالات الأمس تجثم على صدري، تترائى لي كلما أغمضت عيني وكلما هبت ريحٌ دافئة لتخترق كياني المتجمد.. لا أبتسم كثيراً، لا أحب الزحام، لي شمسٌ...
قبل دقائق، في الحادية عشرة والثلث قبيل الظهر، وقفتُ بين الناس في طابور طويل ممتد بشارع لا جيتيه، أمام مخبز بلدي، تلقيت اتصالًا من سولاف، شقيقتي الكبرى المقيمة في ألمانيا منذ سنوات، توجعتْ بصوت يغلفه الهم: - تستوحش ابنتي العزلة؛ فلا أحد من زملائها في جامعة برلين يتواصل معها إلا إذا كان بحاجة...
تلك الصخرة المسماة بوابة الحياة في كتب الأولين والتي يسميها – تجنيًا على كل ما يقدسه الآباء – أبناء هذا الجيل باسم صخرة الموت. بابها السفلي المُشْرع لكل سفن الدنيا لينعموا من لبن هذه الأرض، لكن سفن الغزاة لا يمكن لها أن تعيش ولو يومًا واحدًا على شاطئ هذه الأرض لأن البوابة المرصودة تحيلها حطامًا...
طريق ترابى متعجرج وسط البيوت ملئ بالحفر يؤدى الى المقابر، التُرب كما يعرفها الناس فى يلدتى، فهى من التراب ويدفن بها الناس ويٌهال عليهم التراب ليتحولوا مع الوقت الى تراب. قديماً كانت هذه البقعة نائية وبعيدة عن البلدة، كبرت البلدة وزاحم الأحياء الأموات فى تٌربهم وإمتد العمران وحاصرت الحياة والناس...
فى البدء منذ أن شرع الله في خلق الكون كانت الظلمة تملأ العالم حتى خلق الله نور النهار و أصبحت الشمس فى شروقها تضئ كل العالم و ترسل أشعتها السبع من فضائها إلى أرضنا لتضيئها إلى أن يفنى الوجود .وكان هناك شعاع من أبناء الشمس السبع لا يريد أن يذهب إلى أي مكان فى العالم و كان يُدعى بالشعاع “المتمرد”...
كان عائداً من عمله ، منهكاً لا يقوى على جرّ نفسه ، فتحت له “مريم ” الباب ، وهتفت بفرح واضح : – ” رضوان ” .. أنا أعرف كتابة اسمي . ظنّها تهلوس، فهي أمّيّة مثله ، فسألها ساخراً : – وكيف تعلّمتِ الكتابة ياعبقريّة ؟. – من ” سميرة ” ، هي التي علّمتني . خفق قلبه ، أمعقول هذا ؟! .. هل يمكن له أن يتعلّم...
كعادتي بعد أن أتسلَّم راتبي الشهريّ من ماكينة الصرافة، أقضي بعض الوقت في المشي. إنه اليوم الوحيد في الشهر، الذي تكون لديّ فيه القدرةُ على المشي. حيث أزحف بقية الأيام، في رحلة لا تنتهي من المتطلبات؛ بعد أن أقوم بسداد الأقساط، ودفع الفواتير، وقضاء ديون الشهر السابق. أخذتُ أمشي دون أن أدري إلى...
ربما لأول مرة في حياتي أقوم بإعادة قرأءة لكتاب لي بعد مرور سنوات على نشره.. فقد قمت في الأيام الماضية بإعادة قراءة المجلد الثاني من ملحمة الملك لقمان " أديب في الجنة " قرأت الكتاب بمتعة شديدة رغم وجود خيال جامح في الكتاب يضرب عرض الحائط بكل ما يحاول أن يحد منه. أمر مؤسف أن لا تحظى ملحمة الملك...
لم يترجل عن الحمار قبل أن يصل الدار بأمتار كما جرت عادته ،ما إن وصل الحمار للباب حتى تسمر مكانه وقد تدلت رأسه ، دخل أبي المندرة التي تعج بالمهنئين ، أشار بيده لصاحب الميكروفون والزينة :خد حاجتك وربنا يعوض عليك وعلينا ، أفسح الشباب له فجلس واضعا وجهه بين كفيه وانخرط في بكاء مسموع ، تحول...
خذ الذي يعنيك وانصرف أيقظني صوت امّي فنهضت مترنحا، لا أزال تحت تأثير كابوس ليلة البارحة نظرت في المرآة وأنا أغسل وجهي كان شاحباً جدّاً. يا ألهى متى أتخلّص من تأثير قصص جدتي، كانت لا تتعب من حكاياتها الطويلة التي لم أستطع الصّمود ليلة واحدة دون أن انام قبل ان أعرف النهاية. يهزمني النوم دائما، كنت...
لا ينسى أي منا خفقة القلب الأولى، ورعشة الروح أمام أول احساس ٍ صادق ٍ شعر به، ولا ينسى الأماكن أو الكلمات أو الروائح أو الأصوات التي رافقته، فهي بمثابة واحدةٍ من الولادات التي نعيشها كما المرات التي نموت فيها قبل أن نموت بشكلٍ جسدي.. وتبدو الحياة مثل المواصلات العامة أو محطة القطار، البعض...
رغم حالتها الصحية الصعبة؛ نزلت للمنطقة التجارية بالقاهرة؛ لتبتاع لحفيدها هدية، هاتَفته أمس أثناء حفل عيد ميلاده، وعدها بزيارتها. في محل الهدايا، تُطالع وجه ابنها الوحيد على التلفاز مع نبأ سفره ضمن وفد رسمي لدولةٍ الصراعُ فيها وصل لحد القتل دون تفرقة. شعرت بغُصة في قلبها، وتسارعت ضرباته، دوامةٌ...
استلمتُ ورقتي وبدأتُ في قراءة الامتحان. من عادتي أن أُغمض إحدى عينيّ وأنا أمرُّ على الأسئلة بسرعة. أتفاءل بأنني أعرف الكثير، والقليل الباقي يُمكنني الاجتهاد فيه، مثل سؤال العَشرة سُطور. اثنان من المُراقِبين يقفان بحزم وسط طُلاب اللجنة المُوزّعين في المُدَرَّج الواسع. أقرب زميل لي يبعد ما لا...
عندما مات زوجها أطلقت فاطمة صرخة مدوية , وأخذت تدور في حوش البيت الترابي , تلطم بكفيها وتدق على صدرها دقات متتابعة , ثم سقطت مغشيا عليها . ظلت فاطمة أسيرة الحزن عدة أسابيع ، ثم أفاقت وتوقفت عن البكاء , وبدأت تفكر في أطفالها الذين لا تدري كيف تنفق عليهم , بعد رحيل أبيهم الذي لم يترك لهم سوى قاربه...
أعلى