ليل ماطر
قصة قصيرة :
بقلم محمد محمود غدية / مصر
قالت لي الحسناء فى ليل ماطر، النجوم فيه لا تبين خلف السحب : أما زلت تحبني وتحلم بالمستحيل ؟
تعالى أحبك اليوم قليلا،
قبل الرحيل، لا شيء تبدل غير بعض خطوط السير، ولوحات الإعلانات المستفزة المفرغة لجيوب البسطاء، وبعض الصبغات فى وجوه البنات،...
في عُمري الأخضر رأيتُ وجوه البشر تُشبه الأُسُود أو البقر أو الماعز، شجرة الجميز امرأة حامل، مئذنة الجامع قلم رصاص، أي شيء يُشبه كذا أو كذا..
بمرور الزمن قَلّ وَلَعي بالتشبيهات، لكن لم أنسَ حبّة القمح، ولا ذلك الشبه الفريد بينها وبين المكان الحميم في الجسد الأنثوي.
يُمكنني الآن أن أقول: عضو...
لمّا كان موعد اجتماع الهيئة العامة لرابطة الكتاب الأردنيين الساعة العاشرة من يوم الجمعة؛ لانتخاب هيئة جديدة فكر في أن يتأخر عن الاجتماع، فلا ضرورة أن يشارك في مناقشة التقريرين الإداري والمالي التي تستمر ساعة على الأقل، وأن يحضر بعد بدء عملية الاقتراع. فكما جرت العادة يبدؤون بكبار السن، ويسمحون...
دأب على رؤيتها كل يوم، مأسورا بوجهها المشوب باإبتسامة رقيقة، تمتزج بحمرة وجنتيها الأشبه بنضارة التفاح، فيضفران معا شفرة للجمال يصعب فكها، وهى إعتادت التطلع إلى وجهه المفعم بالمرح كلما رآها، وإلى عينيه الصافيتين، وشعره اللامع بدرجات اللون الرمادي،
رغم سواد يده المغموسة
طول الوقت، فى البنزين...
مازال الحُلم يعاودني وكأنه يريد أن يقفز من عالمه الخيالي في راسي إلى عالم الحقيقة والواقع.
أحلم بدارٍ واسعةٍ لها حوش كبير؛ ليلعب فيه أطفالي على راحتهم بلا قيود أو خوف عليهم من الغرق في الروزافة الكبيرة التي يغرق فيها الكبير والصغير.
أحلم بجزء منفصل للفرن والمحاصيل، أحلم بحظيرة كبيرة لأربي فيها...
لا تزال الذاكرة محتفظة بصورة البيت الكبير، بـ "حوشه" الواسع، غير المسقوف، يرفع عينيه للسَّماء فتبادله النظر دون حاجز، كذلك تبدو الغرف الأربع المتلاصقة، بأبوابها الخشبية ذات الألوان الزاهية، قريبة من العين كأنّما تشاهدها السَّاعة. إنَّ ثُغاء المَاعز، ورفيف أجنحة الحَمام، مختلطة بكلام الناس، أصوات...
مسلك جبلى تقطعه العنزات فى خط عشوائى، تنط هنا وهناك كما لو كانت تتحرر من قيود الراعى التى يفرضها عليها بالعصا التى نحتها بسكينه الصغير لحظات عودة القطيع للتجمع..
كانت العصا طويلة بطول الراعى القصير الذى يضع وشاحا يغطى به وجهه.
دورية عسكرية، يترجل العسكرى ويتقدم من الراعى الذى لم ينتبه للعساكر...
أما بعد....
انتهت المراسم على خير... انتهت كما أردتَ وخططتَ لها، الليلة هي الليلة الثالثة... أقمتُ لك سرادقا كبيرا يتسع لأكثر من خمسمائة شخص، كان مضاءً بالثريات الكبيرة والكشافات الساطعة، أحضرتُ لك ثلاثة من المقرئين ذائعي السيط في بلادنا، تلوا آيات من الذكر الحكيم بأصوات عذبة شجية أحيت في...
وصلت عائلة عمر إلى القرية الخالية من السكان، بعد أن هربوا من قريتهم التي أصابها القحط والجوع لعدم نزول المطر... فاستغربوا من عدم وجود أيّ بشر، تجوّلوا بين البيوت المهجورة، يتساءلون عن مصير سكان القرية.
فجأة، ظهرت لهم امرأة عجوز بوجه بشوش، فرحبّت بهم بحرارة ودعتهم إلى منزلها على الرغم أن القرية...
جَلَس منكسراً، المقهى شبه فارغ، طلب قَهْوتَهُ سوداءَ قويّةً، اِحتساها دفعةً واحدة ثم شرب محتوى قارورة الماء المعدني بتوتر ظاهر، هناك أشياء كثيرة تجول بخاطره وتشج تفكيره، أشياء بعضها مضمرٌ وبعضها ظاهرٌ يُحسه ضاغطاً على أنفاسه، تراكمت أخطاء الماضي فلم يرحمه الحاضر ،وغدا مُفلسا يتسول كِسرة أمل...
زمورة وشرنّخ رجلان من أغرب الرجال. أما زمورة فقد كان قصيرا كأيام الفرح وأما شرنّخ فكان طويلا كليل الفقراء. زمورة على ما به من قصر رجل جاد لا يكاد ينام يقضي كامل يومه في حقله النائي لا أدري ما يصنع فيه تحديدا. كان يقلب التراب برفش أو محراث طول أيام الخريف والشتاء فإذا جاء الربيع لم ير الناس في...
- ما الذي ذكّركِ بيّ؟!
سألها بعد أن رآها تقترب منه لتميل عليه بجسدها كله على مرأى ومسمع الآخرين بينما تركتْ أصابعها تتسللُ ببطءٍ نحو هامته المتيبسة حتى سرتْ قشعريرة في كامل جسده الطويل، فارتعش بقوةٍ ولذةٍ تاركًا إياها تعبثُ به وتدندن قائلة:
- ومَنْ غيره .. إنه الحب الذي سرى بداخلي منذ تفتّح...
خرج من دار النشر وفي داخله هوّة سحيقة، كأنه تخلّى عن نفسه حين سلّم مجموعته القصصية إلى الناشر، فطالما عاش حياة شخوصها، وتأثّر بأحاسيسهم وعواطفهم، ومثل كلّ مرّة بعد الانتهاء من الكتابة، يخامره شعور يدور في الفراغ ذاته، إذ لا حياة له، ولا مشاعر، ولا انفعالات سوى ما يعيشه داخل الشخوص التي يكتبها،...
التقت عيناه عينَي الرجل، فعرفه على الفور. مضى عشرون عاما، وذكره لم يزايل مُخيِّلته، والزمن كفيل حقَّا بمداواة الجِراح، لكنَّه لا يستطيع محو أثرِها في النفس.
تسلَّم المبلغ منه، وقال:
- كيف أنت يا أستاذ؟
رفع الرجل رأسه، مُستطلعاً:
- تعرفني؟
- بلى، لقد كنت رئيسي في العمل، ألا تتذكّرُني؟
وبدا...