سرد

(6) أمام مطعم السيد محسن عدد هائل من الروّاد. أطفال المدرسة ينتظرون أدوارهم لينال كلّ واحد منهم مطلبه، وطلابّ وعمّال وآخرون، والسيد محسن بطيء الحركات ثقيل الردود. يلتفت إليّ. أسأله عمّا أعدّ فيسمّي لي القائمة. أختار ما تيسّر لي اختياره وأنتظر تسلّمه. نصف ساعة أو يزيد. أدفع الثمن وأقفل راجعا إلى...
ذات ليلة، وكان ذلك في منتصف أكتوبر، حلمت كأني تحولت لامرأة أخرى، امرأة لا تشبهني ، ولأنها لا تشبهني، تعرفت عليها بسهولة. هذه المراة وأنا كنا نملك ذات الجسد، لكن أشياء كثيرة بيننا كانت مختلفة، مثلا كانت تجد متعة كبيرة في السفر بمفردها، لا تكره القطارات، تحب الجلوس على ساحل البحر وقت الفجر، لا...
مرحبًا، اسمي آدم، سأكون في خدمتكم طيلة فترة إقامتكم هنا، أرجو كما ترجون ألا تطول، لتعقبكم وجبة إثر أخرى في دروب الرحيل، أما أنا فحياتي هنا، في هذه القرية الجبلية النائية، ذاكرتي لا تتسع لأي مكانٍ آخر، وعيت وكبرت وأنالا أعرف شيئًا عنعائلتي، ولا أدري إلى أي جنسية أو قومية أنتمي، بين أناس ألفت...
هبّت رياح شهر آذار الربيعية , كانت الغيوم ترسل المطر مدرارا يغسل وجه الارض التي تحولت الى خضراء محتفيّةُ بالربيع , وزهور الهندباء البرية المنتشرة تتمايل راقصة تتلقى قطرات المطر لتزيّن بها لونها الاصفر الداكن , وعلى قمّة شجرة الصفصاف الكبيرة المعمّرة وسط الحقول وقف الطائر صامتا ساكنا يتأمل ويراقب...
قام أفلاطون من مرقده، تجول بفكره الثاقب في أحوال العالم، استغرب ما عاينه، صدم ثم استنفر ملكاته لفهم ما لا يفهمه الفكر الناصع، استطرد وقد أرخى الليل سدوله على كون مليء بالصراعات منعدم الأخلاقيات، تنهَّد ملء صدره العريض المتسع لكل الحضارات في نبرة حزن و أسى حدَّث ظله المتسكع بين ثنايا عقله...
(5) فاتني أن أحدّثكم عمّا لحقني من الرهق وأنا أستعدّ لطبخ الكسكسيّ. هذا المطبخ على صغر حجمه كثير الأدراج والمخازن، بعضها لترصيف الكؤوس وبعضها للصحون وبعضها لأواني الطبخ الأخرى. ولا أدري على أيّ نظام تمّ توزيع كلّ هذه الأواني. حتّى العلب المخصّصة لتخزين البهارات كثيرة جدّا وليس عليها علامات تشير...
الحقُّ عليكِ... أنتِ التي قلتِ بلهفةٍ حارقةٍ: أنتظرُ أحفاداً يغيّرون سيرةَ الأجداد.. والمفاخرةُ عندهم عملةٌ صدئةٌ باطلة. أنتظرُ قطاراً يأتي من غيرِ ما جهةٍ.. حيثُ لا سكّةٌ ولا محطّة فيمضي بنا بلا هوّيةٍ أو قوميةٍ أو مذهبيةٍ إلى حيث لا حدود. أنتظر ملكاً بغيرِ عرشٍ وصولجان ورئيساً كما انقلابِ...
تتلقى التهاني من المدعوين ، باسمة الثغر ، تملؤها فرحة عارمة، لزواج أخر أبنائها، لقد سبقته فى الزواج أخته الوحيدة وشقيقان، أحست اليوم أنها قد أكملت رسالتها التى انتظرتها طويلاً بقبس من صبر وكثيرِ من ضغوط مارستها بتعنت على شعورها كأنثى، الأن فقط أتمت ما أملت فيه، الأن فقط تستطيع كل شيء أرادته...
شردتُ بعيداً أنظر الي غروب الشمس وهي تلملم أشعتها من سماء النهار، كعروس تتهادي في موكب زفافها، وتفترش خيوط الليل سماء النهار رويداً رويداً كلما بعدت خيوط الشمس افترشتها خيوط الليل. أنتظر اولادي لحين انتهائهم من تدريبهم الاسبوعي، كدأبهم كل خميس، أقظتني يد تربت علي كتفي، نظرت بجانبي فلم أصدق...
لم يكن عور إحدى عينيه، تحدثه بلغة فصحى، تبجيل الزملاء له. داعياً لجذب انتباهي..، لكن.. عند بوابة المدرسة. جذب يده من يد امرأة.. انحنت لتقبلها: ــ (ربنا يخليك لينا يا سيدي الشيخ) انصرفت السيدة، دخل الأستاذ للمدرسة، تصنعت عدم الانتباه..، بادرني: ــ (والله. الست دي مسكينة. ربنا يشفي ضناها) وجدته...
مثل مراهق خرج أهله وتركوه وحده في البيت، قد يخرج علبة سجائره المخبأة ليدخن منها ما يشاء دون خوف من رائحتها التي تأبى الانزياح عن الغرفة، يعب بانتشاءٍ من زجاجات الخمر التي اشتراها تحضيراً لهذه الفسحة الزمنية النادرة، يرفع صوت المسجلة إلى أقصى حد، يتعرّى من ملابسه، باستثناء لباسه التحتاني، أو قد...
قليلا ما كان يصفو أبي ويحكي عن حياته في الصعيد، عندما كان يسهر للصباح لحراسة الأرض خشية أن يسرق اللصوص القطن المزروع؛ فيواجههم ويواجه العفاريت التي تظهر له في صورة نخلة تسير وتتحرك نحوه، أو صورة خراف تطارده، لكنه كان يغلب اللصوص والعفاريت، فقد كان يستعد لقدوم الاثنين ويواجه كلا منهما بالطريقة...
(4) غادرت المنزل وأنا لا أدري إن كنت غاضبا أو مبتئسا أو فرحا. والأرجح أنّ فرحا خفيّا بالخلاص من مشقّة الطبخ قد نبت في أعماقي ولكنّ التفكير في البديل قد أعياني. هل أعود لأجرّب من جديد؟ لا تعد. دع الأمر الآن والتحق برفاق المقهى فهم في انتظارك. في المقهى دارت أحاديث شتّى في مواضيع شتّى. لاحظ...
أعجبُ شيءٍ في الوجود هذا الذي نُسمّيه الوطن.. شيء نعيش فيه، وهو في الحقيقة يعيش فينا، نُحبّه حتّى التضحية بالمال والأهل والنّفس، ولا ندري إذا ما بادلنا حُبّاً بحُبّ... بحثتُ في أعماق نفسي عن هذا الشيء كثيراً، وفي مراحل مختلفة من عُمُري الذي جاز النصف قرن بعام واحد اليوم، فلم أجد له تعريفاً...
(2- 3) آلت إليّ إذن مقاليد البيت كلّها فتوليت شؤون الطبخ وغسل الأواني وترتيب الغرف وطي ما تبعثر من الملابس والأغطية الشتوية الثقيلة. وكان أعسر عمل على نفسي هو الوقوف طويلا في المطبخ لإعداد الفطور والغداء والعشاء. أنا في العادة أنهض بمزاج متعكر جدا حتى أني لا أقوى على رد تحية الصباح فأكتفي...
أعلى