نشروا صورًا لجثة رجلٍ ملقاةٍ على الأرض ، وقالوا إنها له ، ارتجف قلبي وكاد أن يتوقف ، لا إنه ليس هو . إنها صورٌ مفبركة ، وتلك عادتُهم في صناعةِ الأكاذيب .
دققتُ في الصور ، إنها لرجلٍ بزي محارب ، وأنا أعرفُ أنه لا ينزلُ ميادينَ القتالِ ، ولا يحملُ السلاحَ ليشاركَ في العملياتِ ، فهو القائدُ...
أبخل عليكي بوجهي، تماماً كما قلبي.. فخلعت أقنعتي تباعاً لتريني كما أنا، لم أتأنق، لم أهتم بأن تريني جذاباً أو وسيماً، بل اكتفيت بأن تريني بعد هذا العمر حقيقياً.. وكانت تلك هي مفاجأتي الكبرى ودليلي الأصدق على حبي لكِ، فالمجاهرة بالحقيقة في زمننا يا حبيبتي مجازفةٌ بالذات ومقامرةٌ بالغد وتكاد أن...
(10)
غادرت الأستاذة ليلى صديقتها ربة بيتنا المصون وتركت وراءها أحاديث كثيرة بعضها خفيف لطيف وبعضها الآخر فيه ما فيه من الهرج والمرج. قالت زوجتي: فضحتنا يا رجل. أهكذا تقدم القهوة؟ كأنك لم تستضف أحدا من قبل. قلت مداعبا: ألم يقل الشاعر (يا ضيفنا لو زرتنا لوجدتنا / نحن الضيوف وأنت رب المنزل) المراد...
(9)
لم تتلقّ زوجتي طيلة مدّة مرضها التي جاوزت الأربعين يوما سوى زيارات نادرة من بعض نساء الجيران. وتلقّت في المقابل مئات المكالمات الهاتفيّة العادية والمصوّرة والرسائل القصيرة بنوعيها. بعض زميلاتها العاملات معها مثلا أغرقن في التواصل معها عن بعد ولم يتسنّ لهن أن يزرنها. واحدة فقط من بين كثيرات...
~~1~~
ها هم يمرون بقرية حدودية أخرى مهجورة كسابقتها، أفرغ فيها جيش وياني حقده الدفين بطريقة ماسوية، فقد أحرقت المحاصيل الزراعية التي كانت تبشر بحصاد وفير، قتلت المئات من الحيوانات الداجنة وهدمت المنازل وسويت بالأرض ولم يتبق منها سوى أعمدة سوداء تقف متفرقة كشواهد القبور. حتى الموتي لم يسلموا من...
رأيته يقيناً بابا خشبيا مهيباً، وصحراء شاسعة فيما وراءه، وبوابة استقبال على نمط غرف التفتيش في دوائر الدولة. وكان كل من حولي يبكون، ويتساءلون عما اذا كنت اسمع وهم ينظرون الى وجهي المحروق؟. وكل من يضع يده عليّ ويهز كتفي كنت أحس به وعقلي يذهب اليه، وأرى كشريط سيمائي ايامي معه. والغريب رجعتُ طفلا...
كورت أطراف عباءتها قبل أن تهم بصعود الحافلة التي غطى هدير محركها على كل الأصوات. وهي تخطو بين المقاعد، فكرت بالجلوس قرب امرأة ترتدي زي المدينة، لكن يد والدتها دفعتها للسير نحو المقاعد الخلفية لتجلس قرب نافذة مغبرة مليئة من الخارج ببراز الطيور.
جسد والدتها البدين أجبرها على التزحزح نحو الداخل...
ينهض من فراشه كل يوم متوجهاً الى عمله.يغادر ساحة أم البروم بعد تناول وجبة متواضعة من الشوربة الحارة مع رغيف خبز بارد يدفعه دفعاً بسبابته اليسرى أحياناً، أو البيض المقلي بدهن الحر أحياناً أخرى. عشرات من الباعة مع عرباتهم الشبيهة بمطاعم شعبية متنقلة، انهمكوا بمداراة زبائنهم المعتادين.
مدّ خليل يده...
حمَلني فوق كتفه مثل شوال مفتوح تتسرب من الدماء وركض بي بين وهج النيران، مشهد لا ينفك أن يتردد في ذاكرتي وينغرس في أحلامي لحد الآن، رغم مرور عمر على انتهاء تلك الحرب، ورغم أني كنت شبه مغيَب عن الوعي، فيما كان جسدي ينتفض مثل سمكة خرجت لتوها من الماء، مع تدافع أنفاسه بين أضلع صدره طيلة المسافة...
علي طاولة النقاش أمسكت الأم والإبنة طرفي المشكلة ، شد وجذب، كلاهما يريد إقناع الآخر بوجهة نظره إلي أن وصلت المناقشة إلي طريق مسدود، حاولت الأم بشتى الطرق أن تنير للإبنة الطريق، أن تشرح لها مع من سوف تقضي حياتها، وأن الحياة بينهم شبه مستحيلة لأن أفكارهم مختلفة، ولن تتقابل في نقطة، وسيمضي الوقت...
قبل أن تتوسط الشمس السماء، في هذا اليوم الذي انتشرت فيه روائح الفل على المنطقة كلها، انتهيت من إعادة شحن عداد الكهرباء، ثم سرت متثاقل الخطوات إلى البيت، أفكر في تناول الفطور قبل فوات موعد الدواء، تلقيت اتصالًا مفاجئًا، أبهج روحي، من صديق افتقدت تواصله لشهور طوال، قال إنه عاد في زيارة خاطفة...
قالها والدي ثم رحل : ما عاد البشر بشرا، وما صارت المدارس مدارس ولا المجتمع مجتمعا ،بعد أن حوّل العلم العالم قرية كونية صغيرة، الكل منكب، منشغل، مستهتر .
لبثت أفكر في رد يشفي الغليل، لكن تعثر بي التفكير، طأطأت خجلا من واقع مترذل وحكم قاس صادر عن حكيم قد خبر الحياة و تقصاها لعقود طوال، و أنا...
(8)
أعمال ربّة البيت كثيرة جدّا ولا تقف عند حدود المطبخ. في كل شبر من مساحة هذا البيت عمل لابدّ منه، في الأروقة وفي غرف النوم الثلاث، وفي قاعة الجلوس، وفي خزائن الملابس، وفي الشرفتين الأمامية والخلفيّة أيضا. في كلّ هذه الأماكن الفرعيّة عمل لابدّ منه. نعم قد تكون الأعمال فيها متباعدة الأوقات...
كان رقما غريبا ، أو لم أهتم برؤية الرقم ، في البداية اعتقدت أنها رسالة دعائية من عشرات الرسائل التي تقتحم هاتفي يوميا ، كالعادة كنت مشغولا فلم أحذفها ( تعودت أن أنتهز فرصة حذف الرسائل وتنظيف الجهاز أثناء السفر ، حيث لا مجال إلا للانتظار ) .
قرابة الشهر ظلت الرسالة ، وحين حانت الفرصة قرأتها...
* عطاءْ
لاتحزني أيتها الفَراشة
لعمرك القصير
لأنّك وفي الغمضة تلك
منحت طولاً لعُمر الشعر
لم يعطه حتّى "نوح"
فلا تحزني.. ايتها الفراشة
* الجذرْ
في الغابة هذه
يوم قلتُ: إني الشجرة الوحيدة
التي يأكل منها الله
بَعدَها
نشبت الحروب!
في الجبال هذه
يوم قلتُ إني الجبل الوحيد الشامخ
الذي تشرق عند ذروته...
(7)
لم يكن مطعم السيد محسن مطعما حقيقيّا. هو في الأصل دكان صغير لبيع السجائر الأجنبيّة المهرّبة أو السجائر التونسية المحتكرة، ولبيع المشروبات الغازية وكل أنواع المقشّرات. ولكنّه تطوّر شيئا فشيئا ليصبح محلاّ لبيع المأكولات الخفيفة والسندويتشات العصريّة، ثم توسّع فصار مطعما لإعداد الأطعمة...