سرد

على موعده الدائم "الخميس من كل أسبوع" تنتظره نساء قريتنا، ضعيف البنية، قصير، دقيق ملامح الوجه، له صوت جهوري، تتعجب حين تسمعه ، كيف لهذا الصوت أن يخرج من هذا البدن الهزيل! عباراته قاطعة لها قفلات محكمة، لو سمعت نداءه دون أن تراه لخيل إليك أنه قائد جيش ينادي على جنده ليتجمعوا في ساحة المعركة، تحول...
نازعتني نفسي أن أذهب إلى المولد، فبلدتي تتجاوره، وللحمص رغبة لا تقاوم، كما أن للصبا منازع ورغائب تعاود كل حين حتى ولو انحنى الظهر وابيض الشعر وزاغت الأعين، اقتربت شيئا فشيئا من خيام الوافدين فوجدت الآنية التى كانت -يوما- عامرة قد ضربها الجوع وعضها الفقر بنابه، نظرت النسوة اللواتي كن يمرحن في...
" نبدلُ قلوبا قديمة بأخرى جديدة " نادى البائعُ المتجولُ بعربتهِ المليئة بالقلوب المتنوعة. تفضلي: " بعضها مصنوعٌ من خشب واخرى من نحاس ومن حجر وافضلها واكثرها متانة تلك التي من حديد ". عرضَ بضاعته على الشابة التي نزلت من بيتها مسرعةً بعد تسلل صوته الجهوري لأذنيها عبر النافذة واقتحامه مخدعها...
مضى عام على زواجهما، وكاد ثانٍ أن ينصرم، لذا صار الزوج منزعجا، قلق المزاج، يتحدث كثيرا عن رغبته في الخِلْفَة... وباتت غمزاته ولمزاته تقضّ مضْجَع الزوجة . كَشَفَت عَنْ المستور لأسرتها بحثا عن السند، فصاحبتها أمها إلى عيادات ومَصَحّات ومشافٍ، عامة وخاصة، دون كلل. وأجرت تَحْلِيلاَتٍ وفحُوصَاتٍ ...
استوقفتني عند عودتي إلى البيت ليلا سيدتان، استدرّا عطفي بكونهما سيدتان وفي وقت متأخر من الليل، وقول احداهما لي -عندما انحنت صوب نافذة السيارة- بنبرة يغلفها البكاء، تستجدي الشفقة: معنا طفل مريض وأشارت إلى لفافة تحملها السيدة الأخرى. ركبا في الكرسي الخلفي وهما يلهجان بالدعاء لي. في الطريق دار...
قالوا إنّ أسلافه من أصولٍ أرمينية ، ودليلهم السّاذج حُمرة وجهه القاني التي تُشبه لونَ الطّربوش ، ولغده المُتدلى بنتوءات عريضة ، يفترش فوقَ رقبته الغليظة كضرع بقرة سمينة ، ناهيك عن خده الأثيل الأمرد، وزُرقة في عينيه تُشبه في نقاءها ماء التّرعة ساعة يبعثر الفجر رايته البيضاء ، ما إن يُذكَر اسم ”...
ليست شهوة ؛ أن أسرد ما حَـدث البارحة ، بعْـدما استحضرني حنين خاص لزيارة حمام بلدي ؛ بدون تخطيط مسبق وبدون تحريض من جسدي الذي نسي أجواء وطقوس الحمام؛ أي نعم ! حمام بلدي للاستحمام ، لمعانقة حرارته وممارسة الشغب الخاص الذي لا يتوفر في الحمام المنزلي ؛ سيدة المنزل جمعت لي لوازمه وأدواته ؛ وهي...
أخيرا وافق زوجي أن نتناول العشاء في مطعمٍ فاخر احتفالا بعيد زواجنا السابع عشر، عقدت الأحلام والآمال على ساعات من الرومانسية الخالصة، لكنه انشغل عني بمكالماته التليفونية التي لا تنتهي. وضع النادل الأطباق أمامنا، الطعام يبدو لذيذا، لكنني فقدت شهيتي أمام انتظاري الطويل، ومرت الدقائق وئيدة، وأنا...
بدأت الموسيقى تعزف أنغاما هادئة ؛ رقص عليها العروسان رقصة الوداع، تعانق العروسان، لقد هام بها شوقاً، لهفة، عشقاً، أحبها بجنون، بادلته عشقاً بعشق، وحباً بحب . تناقلت حكايتهما الألسن، نظر إليهما البعض بشيء من حسد، وكثير من حقد، وقليل من إعجاب. همس لها: تمني على حبيبتي، سأغزل لك من حياتي ثوب...
رأيتُ عفريتًا من الجن كما لم يرَه غيري، ولستُ أعني أني هبطتُ أسفل الأرض حيث تسكن العفاريت، أو سُحِرتُ، أو نظرتُ إليه بأربع عيون؛ لكنني أعني أني رأيتُه صغيرًا، ومَن منا لم يرَه في طفولته على نحو ما؟! سيَّما مَن نشأ - مثلي - في بيئة ريفية، وفي تلك الحياة تكثر الحكايا عن الجن والعفاريت، كما يذكر...
باتتْ ترسمُ لوحتَها المزخرفة، تحبُّ الرسمَ والفرشاةَ والألوانَ أكثر ، رسمتْ فتاةً جميلةً جدًّا وجهُها كوجوهُ الغانيات، جعلتْ شعرَها ممدودًا حتى نهايةِ لوحتِها، فتحتْ عينيها بحرًا من الأحلامِ والدموعِ وكأنها تنظرُ إلى قواربِ النجاة، أرسلتْ من عينها التي تنظرُ بحزنٍ دموعًا تكادُ تحرقُ اللوحةَ...
ظلّ لشهورٍ يُمنيّ نفسه بما هو آتٍ ، أيامًا قلائل تفصله عن صبوةِ نفسهِ، لقد اكتظت دروب القرية واغرقت أزقتها بالبيارقِ والرّاياتِ السّود والحُمر والخُضر ، والخلق في هيامٍ يتواثبون من حولها في تمايلٍ ونشوة ، وأعينهم تفيضُ بالفرحِ والحبور ، وفي نفسٍ واخد يُرددون : اللهم صلّ عليه.. استفزه الشوق...
اتصل سالم ابن "الحجة رمزية" بأمه:" أمي، ساعديني رح أموت جوع ما عندي أكل، وما معي أجار الغرفة رح نام في الطريق" ، لطمت خديها على ابنها المحتجز في"تركيا" فهو يكمل تعليمه الجامعي هناك، لأن جامعات الوطن للأثرياء فقط، لقد أملت أن ينال أفضل تعليم وحلمت أن يتولى منصبا مرموقا بين أهل بلدته، كانت الأمور...
كان زوج موزة يعمل في مصنع معسل سلوم؛ القريب من سيدي أبى الدرداء، لكن المصنع أمم، وضمته حكومة الثورة إلى شركة النصر للدخان القريبة جدا من كوبري محرم بك. زوج موزة طويل إلى حد بعيد، ونحيف جدا، يرتدى بنطلون أبيض يغطى جزءً من صدره، وقميص لونه بني؛ فيبدو وكأنه سيجارة بيضاء بفلترها البني، فأطلقوا عليه...
اعتادتْ دُمى الخزانة الخشبية في مكتبه طقوسَ سهراته الليلية ، تصطفُ العرائسُ المختلفةَ الاشكال والاحجام فوق رفوفها ، ينظرن بعيــنِ الفضول والترقب . تضجُ الخزانة حالما يقتربُ منها ، فيخيل لك بأن الدمى حية. كل واحـدةٍ منهن تحاولُ ابرازَ مفاتنها بإطلاق موسيقى او أغاني تم تسجيلها ووضـعها بأقراص...
أعلى