سرد

بلا عينين لم يستطع رؤية الأكياس الفارغة، والنّفايات الطَّافية على صفحة الماء. ربما دفعته الرَّوائح الكريهة إلى استشعار أنَّ المنظر شديد الكآبة لدرجةٍ دفعته إلى الاستدارة، وإعطاء النَّهر ظهره، لكنَّه سرعان ما تذكر ما خرج من أجله؛ فعاد إلى استقبال صفحة الماء بصدره من جديدٍ. خمسمائة خطوةٍ لركبتين...
تعالي نقتسم الأرزاق بيننا، فمنّي الخبز ومنكِ الملح، والماء الشّروب يبلبل منّا الريق. كالمتسكّعين في أزقّة الزّحام العمياء والمشرّدين من فراغ اللاعمل واللامأوى واللاهدف والمنتظرين على مقاعد الحدائق العامة يتأمّلون ويأمَلون وينتظرون . والليل إذا أتانا تدريجياً لا يُخيفنا ولا يرهبنا، فنحن...
يهبط أبوه على الناس ليلاً موجعاً كقدرٍ محتومٍ، فيتفرق الرجال مثلَ نُدَف القطن، وتجري النساء فزعاتٍ في كلّ صوب، بينما يتبول الأطفال في ثيابهم، ولا يبقى حولَه إلا رُعْبُ السكون.. أما عبدو الذي ولد في ظهيرة قائظة فقد استطاع في طفولته المبكرة أن يكسر حبة جوز بأسنانه، ومنذ ذلك الحين اكتسب لقب “أبي...
تسلّل الصباح عبر النافذة و داعبت خيوطه الفضية وجهها المستسلم لنومة هادئة لم تنعم بها من زمن بعيد .نهضت تضجّ بالنشاط و هي تراجع برنامجها الذي أعدته مسبقا لهذا اليوم، فقد ألمّ بوحيدها مرض مفاجئ جعلها تدور حول نفسها و لم تهدأ الا وهي تراه يتعافى و يترك الفراش الذي لازمه لأكثر من أسبوع . إنه يوم...
كنت قاب قوسين أو أدنى من الأمية، حين أحضر أبي فاتورة الكهرباء الأولى في حياته، كان يتأمل في حروفها اللاتينية التي لا يعرف منها سوى شكلها المختلف. لقد طال مكوث الفاتورة في يده وطال مكوث عينيه في الفاتورة. كنت اراقبه ببراءة وقد أصابتني عدوى الحيرة التي في عينيه، حين نظر إلي مطولا كأنه ينتظر مني...
من أجمل اللافتات التى كتبها شباب ثورة التحرير ( أسفين يامصر علشان ثورتنا اتأخرت كتير .. حقك علينا ) حب وإنتماء حقيقي للوطن، علم مصر فوق كل الشرفات والأبنية وفى أيدى وفوق قمصان الشباب، والأطفال رسموا على وجوههم النضرة علم مصر بألوانه الثلاثة، الكبار يتأملون فى فرح الأبناء، ولسان حالهم يعتذر عن...
ولايزالُ في قلبي شيءٌ من حَتاَّها، تُحدثني وإذا قالت (حتى) توقفتْ عن الكلامِ وتمزقتْ حبالُ صوتِها، أقول لها : أكملي! حتَّى ماذا... حتَّى ماذا؟ فتشير بإصبعها بأن الكلامَ لايستطيعُ الخروج ، ياحسرةً على حتَّاها، أرادتْ يومًا أن تستفزني! تقول لي : حتَّى الذين يُحبون لايفعلون مثلك، لم تشعرني يومًا...
خرجت هنية وابنتها رجاء ليلة الزلزال الذي ضرب مدينة مراكش في حالة من الذعر والرعب، يجريان بلا عقل.. هرعا إلى الخارج حافيتا الأقدام، وبثياب النوم فقط.. قضيا الليلة مثل باقي الناس في شارع أحد الأحياء الفقيرة.. قلب هنية على البيت، لم تفكر في إغلاقه بالمفتاح.. سمعت من قبل بأن اللصوص ينشطون في وقت...
لا تدرى كيف التقيا وتحابا وهو القادم من الشرق، حيث سمرة الوجه ورائحة التوابل والعرق الذى أحبته، ولا يمكن مقارنته بأفخم العطور، كل ماتذكره أنهما التقيا تحت سماء زرقاء صافية ومضيئة تمتد بلا نهاية، فى عينيه كانت تطل نظرة حزينة، كتلك التى تتوهج من دمعة متحجرة لتمثال عتيق بمتحف آثار قديم، كانت فى...
توطئة: جيكا والشيخ عفت وغيرهما الكثير من الشهداء بدمهم الذكي قامت ثورتان، الأولى فى الخامس والعشرين من يناير، والثانية فى الثلاثين من يونيه، واحدة ضد فساد ثلاثة عقود والمزمع مثلهم فى التوريث الذى فشل، والأخرى ضد فصيل لم يفلح فى شق صف المصريين . دأبت سحر على النزول الى ميدان التحرير أثناء...
تعددت لقاءاتى بك ، كانت فى البداية بحجة السعى للاصلاح بينك وبين أدهم ،إلا أنها سرعان ما اتخذت منحى آخر تماماً ........ هل هو القدر الذى وضعك فى طريقى أم انها مجرد مصادفة لا معنى لها ؟ تغافليننى لتضعى كل ما تريدين من أفكار فى رأسى ...تأخذيننى من عقلى ...تنزعى عنى كل ما ارتديته من عادات ،...
بلهفة فتحتْ النافذة، بدأتْ تستمع لصوت المطر، فهي تعرف عشقه له حد الجنون!. تذكرتْ الليلة، التي راقصها فيهان بينما المطر الجسور، انساب عبر الثياب ليتخلل جسديهما، ترك قبلة على شفتيها الورديتين بعد إزاحته خصلات شعرها، التي غطتْ وجهها وبلغة لا يفهمها سوى القلب، أخبرها كم يعشقها!. و كيف أن روحها الروح...
في مكان كهذا, أطرافه متخمة بأسمال موت مكابر، يغدو انكفاء المرء إلى داخله الحل الوحيد لكي يبقى متماسكاً، ولو ظاهرياً على الأقل، أنظر إلى من حولي، أستطيع أن أقرأ القلق على ملامحهم، وأن أشعر بملح الانتظار يرشح من خلاياهم، يبدون غير معنيين بأي تفصيل آخر، كأنما ما تبقى داخل القارب هو الشيء الوحيد...
ظَلّ صامتاً رغم زحام الكلام، وصراعه في الأجواء الرمادية، المترامية الأطراف، على مد البصر عند حدود اللاشيء. طَوَى المسافة بنظرات عينيه العائدتين من هناك ، مٌتخطيةً أمواج البحر الثائر، يمرر ذاكرته عبر حكايات ماضٍ زائف لا يملك منه شيئاً غير أنه عايشه لدرجة التوحد وهو لغيره. واليوم وفي هذه اللحظة...
أمسكت بفستانها الجديد، وضعته على جسدها أمام المرآة، وظلت تتأمل نفسها وتتخيل رد فعله حين يراها به، ثم طبقته ووضعته بكيسه، ثم رصته بجانب ما اشترته من ملابس وقمصان وحقائب ... مر اليوم العام الأول على الانفصال، وبدأت ملامحه تبهت بذاكرتها، حتى لمساته طمست آثارها من فوق جسدها، وتبقى فقط الأمل في لمسة...
أعلى