سرد

التّاسعة مساءً… أمر غريب ! لم يعتد العودة في مثل هذا الوقت المبكّر أو قبله، ما أصابه؟ أتراه لا يملك ثمن زجاجة الخمر أم أنّ في رأسه فكرة ما تستدعي الوقت والتركيز؟. بحذر تقدّم على أطراف اصابعه نحو قنديل الإنارة وأناره بهدوء وصمت، للمرّة الأولى يبدو هادئا هكذا ، للمرّة الأولى يحسب حسابا لأهل البيت...
أرخت الشمس أشعتها على الشاطئ، فاجتاحت جسده المتورم موجة من الدفء شعر بها تدغدغ جفنيه فاستفاق على مضض من غيبوبته. تجول ببصره في الأفق لعله يهتدي إلى هوية المكان والزمان، بحث في الأشياء المبعثرة هنا وهناك عن ذاكرته وماضيه، حاضره ومستقبله، فخدلته اللحظة. بعينين متعبتين رمق، من بعيد، ثوب قميص أحمر...
روتين.. رتابة ... ملل ... فراغ لا متناهي ... لا جديد ... ما يحدث اليوم ... حدث بالأمس ... وسيحدث غداً ... منذ أن استيقظ ... حتي أنام ... كل شيء عادي ... متكرر ... متماثل ... لدرجة التطابق ... والملل ............. نفس الوجوه التي أراها ... الشوارع ... العربات ... القاطرات ... المباني ... الأماكن...
كل ذلك الغروب المبقع بالغيوم يبدو إلى حد ما غريبا على شهر مارس كتل من الدخان الأسود وسماء ضجرة مختنقة، ليس معقولا أن يهطل المطر في هذا الربيع المتأخر، لم تكن الساعة جاوزت التاسعة ليلا وأنا مسترخ في فراشي وقد أطفأت مصباح الغرفة ورفعت الستائر، لم يكن ثمة ضوء يخترق الشباك، وكان أمرا صعبا أن أعثر...
وفي اليوم الثاني أحضر معه ساعةً رملية ووضعها على الطاولة عينها .. وبدأت حُبيبات الرّمل تخرّ رويداً .. وتكرّ تباعاً مخترقة عنق الزجاجة .. وقالت ضاحكة : - جلستنا اليوم موقوتة على ما يبدو .. - لا يهمّكِ .. نصفُ ساعةٍ فقط ستمرّ .. وسأقلب الزجاحة الرملية بعدها والجلسة قابلة للتمديد .. إنما...
غريب أمرك يا هذا!!! كأنك تنشد حبل الوريد ان يكون مقطوع ينزف، أراك تعمد الى إطلاق لسانك دون أن تمسك بلجامه فأراه جامحا لا بل متمردا على واقع عشته ويعيشه الكثير من الناس في حقب متعاقبة، فلم أنت متبرم دوما!! ألا يكفيك ان ترضى بواقع حياتك؟ ها انت في كل ليلة بعد ان تعكر مزاجك بشرب من زجاجة الحقيقة...
لطالما كنت شغوفاً بالمساحات الورقية البيضاء، وكنت أعشق لحد مبالغ فيه الأوراق المعدة للتصوير، تلك الأوراق التي تحتضنها آلات التصوير أو تدخل في جوفها وتُسقط عليها أشعتها البيضاء لتخرج لنا نسخاً من مستندات أو تقارير مهمة تكون قابلة للحفظ لزمن طويل، أو لنسخ أوراق رسمية نستكمل بها معاملات حكومية أو...
في زمن الطفولة حين كنا نلعب على أطراف قريتنا لم يكن يوجد بيننا فرق في الفهم، فإن وجد لم نشعر به، وإنما إختلفت الأفهام فيما بعد. لم نكن نعرف عنه في الطفولة غير رعونة نخشاها وسرعة رضا نستغلها. إختلفنا في النشأة بمرور الزمن، ففي حين تدرجنا في الصفوف الدراسية لم يفلح عبود في اجتياز الصف الأول، بل لم...
اتركي أورقك تنام على المكتب،وارفعي بصرك لتشاهدي العالم في تقلُّباته المدهشة،لا ترتكبي الخطيئة التي ارتكبتها أنا، قبل أن أُطرد من جنّة الأوراق،إلى هامش الإهمال والإنكار! اتركي أوراقك بيضاء ناصعة، لأنّ تسويدها يزعجهم،يقاطع مخططاتهم الماكرة في منتصف الطريق،ويعيدها إلى أول الطريق ليرسم لها مساراً...
· بعض مما لا أنساهُ من ذكريات طفولتي ، بأحد أحياء الخرطوم الطرفية ، تلك العجوز الطيبة الولوف ، التي تخطر ببالي كلما نظرت إلى حال إعلامنا ، أو حال حكومتنا ، أو حال "أمة الأمجاد".. · الحاجة بتول ، كانت امرأة ذات عقيدة راسخة في من تظن أنهم " أهل الله".. ما إن ترى درويشاً يلبس المرقع و...
ـ حمودة! أأنت صاحبها ؟ ! ـ والله ، يا أستاذة ،لست أنا ! ـ أهذه هي هدية رأس السنة الميلادية ، يا عفاريت ! كلفت المعلمة " سعيداً" ليتعرف على صاحب الفَسْوَةِ . - (جيفة) chrogne حشر سعيد أنفه بين الياقات وَشَمَّ جِلْدَ الأقفية ، وأخيراً طلعت " الحزقة" من جلباب "حمودة " ـ ماذا تغديت اليوم يا حمودة...
أظنك ناقما علي ، وأظنك الساعة ، لما عهدته فيك من غباء ، تستعجل يوم فراقي وحري بك أن لا تستعجله لأنه سيكون ، إذا حل ، يوم ضياعك . مشكلتك هي أنك لا تستطيع العيش بعدي . من يطعمك أو يكسوك إذا مت أو حدث لي مكروه ؟ ما دمت أنا حيا معافى فأنت مطمئن البال ليلك ونهارك ، ضامن لكسوتك وطعامك . أنا وأنت...
اسمه فتحي و لقبه أبو السّرور.. اسم عل مسمّى، حقيقة..كلّ الّذين يعرفونه يشهدون له بخفّة الظلّ، و بتلك الابتسامة الّتي لا تفارق محيّاه. و لكنّه اليوم، على غير عادته، يبدو مهموما كئيبا، كما لو أنّ أمرا جللا حلّ به، و هو المعروف ببشاشته، و طيبته، و دماثة خلقه، و مقابلته للحياة بقلب متفائل لا...
– انتهى الدرس، وبانتهائه بدأت عجلة الحياة تدور في الاتجاه المعاكس، الدقائق بدأت تحصدها مناجل من لحظات راقصة، وبحركات رشيقة، اهتزازات متقنة، ترقص المخلوقات. إذ أصبح هذا الرقص جزءاً من حالات انتهاء الدرس لحركات الراقصين والراقصات، تتكسر الثواني كما الزجاج المتكسر من نوافذ المنازل بفعل ارتجاج عقارب...
بعد أن توقّـفتْ ساعةُ الحائط المعلقة في المسجد ، تأمل المؤذن في حالها، شعر بافتقاد دوَران عقاربها المنتظمة ، فيما مضى ، يظلّ يرنو إليها كجزء من الحركة التي تدبُّ في المسجد مع كلّ صلاة ، لكنّه اليوم يفتقدها، ويفتقدُ سرًّا آخر لا يعلمه، لكنّه ينبعث من كل تفاصيلها. رجلٌ صالح جعلها وقفًا ، وطوال...
أعلى