باب بيتك أبيض ، مثلك يكره الأبواب الزرق . تلك ماكرة ، مراوغة وتتآمر على السماء . باب بيتك مقوّس ، للشمس نصفه والآخر للقمر ؟ أ راك تنحني وأنت تلجه وما كنت قطّ محتاجا إلى كلّ ذاك الانحناء . لست سامقا ومع ذلك خلتك مرّة تجمع النجوم . كنت ليلتها أرقبك عن بعد وعيني زرقاء اليمامة وأذني مصغية إلى دبيبك...
تدوي صافرة قطار الدلتا بما يمور داخله من كائنات، يترقب كل واحد محطة المغادرة، وحدها لا باب خروج يشهد خطوتها الأخيرة، تظل تفكر في مصيرها، صباح غامت شمسه وراء ظلال الأحزان التي استبدت بها مثل سياط القهر التي شوت ظهرها، كان جلادا بكل ما تحمله الكلمة، لا تعلم هل كانت زوجة أم جارية، كل ما تبقى لها...
قلبي الأخضر الغض أحب، وحبيبتي كانت قريبتي وجارتي.
ولدت معي فى نفس العام، وفى نفس العمارة، ونشأنا معاً، أطفالاً نتشاجر ونلعب، وصغاراً نستذكر سوياً ونقتسم الحلوى، وفى شرخ شبابنا اعتدتها، وتبدل الاعتياد لشئ أعمق لم أعرف كنهه،
وعرفته يوم همست لى ، (أحبك)
مادت بى الأرض يومها ولم تستقر...
من نافذتي أراه كل يوم..
وخلال مواعيد خروجي للتسوق يبرز دائما أمامي وكأننا على موعد ، بشعره الكثيف، وثيابه الرثة. حافي القدمين وكأنه قطعة ظلام نسيها الليل فبقيت هائمة على وجهها طيلة النهار .
رأسه مثقلة بالكثير، يبدو ذلك من الكتفين المتهدلين وانحناءة عوده الفارع فيما يشبه غصنا يهم بالسقوط ...
إنها أول مرة أشعر بتلك الطاقة وأنا أغادر بعد ذهاب امرأة. كنت أسير كالشهاب. نقاط الضوء المومضة تصطدم بوجهي وتهرب خلفي، الريح تحتشد بياقة معطفي ثم تتسرب خلفي، بقع سوداء صغيرة من بقايا السماء المظلمة، نجوم، وكتب، وأزهار ملونة، تندفع إلى وجهي وصدري وتزخف حتى حوافي منفلتة إلى الخلف..قوارب صيد قديمة،...
كوابيسٌ.. تتنكر بهيئة أحلام خادعة، لا فرّق بين لحظات اليقظة ولحظات الحلم، فقد كانت السماء سمراء، وكانت أطراف المدينة قاحلة مثل داخلها ليس من حياة فيها سوى الريح التي تهُزّ بقايا الأشجار وتدفعها أمامها مثل قطيع هائج، أوراقها الساقطة على الأرض، وأكياس النايلون المتناثرة على طول الفراغات المتعاقبة...
أعتق الرجل ظله، وعاد في الليل بدونه، وعند الصباح وجد نفسه يرقد تحت صخرة كبيرة بها ثقب صغير، يدخل دعاء الأحباب وأصوات الكلاب التي تتبول دون قصد على الحجر الذي يحمل تاريخ وفاته.
،
همهم معاتباً وهو يتمدد على سريره:
ايها الظل الوفي
هل كان عليك ان تتبعني؟
،
كنت استمتع بتأثير الضوء على رسمك الملاصق...
بعد موتها... كل شيء يحدثني عنها... كل شيء ينطق باسمها: الكتب... الفراش... الأثاث... أشياء المنزل كلها تنطق باسم إلزا... لا حياة لي بعد إلزا... لا وجود لي بعد إلزا...
رأيت عند باب النصر، رجلًا يمشي على مهلٍ، وحيدًا ليلًا، يحمل تحت إبطه كتابًا، سمعت من يقول، إنه خضعت له أصوات الفرنجة، يتبعه المشعلجي، والشوارع والحواري والأزقة مطفأة، تتعقبه جرذان تعتاش على جرايا القلعة، تسترق السمع وتراسل السلطان، اقتربت منه أتفرسه مختفيًا وراء سور بدر الجمالي، سمعت جنديًا...
استيقظ من النوم، مشدوهاً، مفزوعاً ، بعد أن داهمته جحافل الشر فى مطاردة طويلة استغرقت الليل كله .
أدرك بعد لأى، أنها مجرد أضغاث أحلام .
نهض من سريره.
ازدرد كوبا من الماء البارد.
لملم شتات نفسه .
عاد بصعوبة إلى بوتقة الواقع.
تذكر ما عساه أن يفعل اليوم ...
وأين يجب أن يذهب ؟
ومن حتما سيواجه ؟
تذكر...
لا يمرّ عليّ يوم دون أن اُطالع شبحه الفضيّ المُنساب يترامى عن بُعدٍ ، تتلألأ قطرات ماءه العذب ،و تنساب أمواجه الرقيقة في صفاءٍ ورونق ، يسرّ الناظرين ، كُنتُ صغيرا اشاهد من فوق سطح بيتنا القديم خياله ، اتسائل في دخيلةِ نفسي مُقشعرِا في وجل: تُرى إلى أين يتدفق هذا السّيل العرمرم ؟! .
ما أشدّ...
كان يجيد العبث بأوهامها .. اقتحم الطريق بين بؤرة عينيها وفضولها للأشياء .. كان يبدو ملكاً متربعاً على عوالم غير مرئية .. فهم المسألة ولعبها جيداً ومع ذلك خسرها
تقول هي: حتى الآن لا استطيع أن أقول من هو لكنه يبدو معقولاً بقدر ما هو شرير. ناعماً مبطناً نوايا أشك في طيبتها بؤدي لو قطعت بإجابة...
لم تسعفه الأيام وهي تحمله على كفيها دون صافرة إنذار، لقد كان الشارع مزدحما فأخرس كل الصافرات إلا تلك التي لا زالت في بطن نفسه... لم يعي انه في موقع بعيد رمت به عُهر الايام التي كانت في يوم ما تتراقص له وتعري نفسها بغية ان يضاجعها ليكشف ما بين افخاذها... أشيع عنها أنها غير مأمونة ففخاج الرغبة...
نسي وزير الدفاع ، أن يقبّل ( الكاولية ) ، مثل كل مرة ، عندما تدب الخمرة في دمائه ، وهو يريد الذهاب الى غرفة القيادة ، لادارة العمليات العسكرية ضد العدو الايراني. ولما صعد سيارته المصفحة خارج الخيمة التي يجلس فيها عازفو الكاولية المحبوبة ، قال لهم " ابعثوا عليها أحب أن أبوسها " فجاءت تركض...
حدوتة واقعية مصرية..
حدثت فى قريتنا
منذ ما يقرب من خمسين سنة
كان حر بوونه ساعة الظهيرة، والطريق بين الحقول يبدو خاليا صامتا حتی من شقشقة العصافير، والأرض تتنفس أمواجا من السراب يحسبه الظمان ماء، عندما لاح من بعيد شبح امرأة فارعة الطول تترنح إعياء، تحمل فوق رأسها مشنة...